فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وروي البغوي بسنده عن أبي مالك الأشعري قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن لله عبيدًا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء بقربهم ومقعدهم من الله يوم القيامة» قال: وفي ناحية القوم أعرابي، فجثا على ركبتيه ورمى بيديه ثم قال: حدثنا يا رسول الله عنهم من هم؟ قال: فرأيت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم البشر فقال: «هم عباد من عباد الله ومن بلدان شتى وقبائل شتى لم يكن بينهم أرحام يتواصلون بها ولا دنيا يتبادلون بها يتحابون بروح الله يجعل وجوههم نورًا ويجعل لهم منابر من لؤلؤ قدام الرحمن، يفزع الناس لو يفزعون ويخاف الناس ولا يخافون» ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تبارك وتعالى إن أوليائي من عبادي الذين يذكرون بذكري وأذكر بذكرهم» هكذا ذكره البغوي بغير سند، وروى الطبري بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من عباد الله عبادًا يغبطهم الأنبياء والشهداء قيل من هم يا رسول الله لعلنا نحبهم قال هم قوم تحابوا في الله من غير أموال ولا أنساب وجوههم نور على منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس ثم قرأ {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}».
الغبطة نوع من السحد إلا أن الحسد مذموم والغبطة محمودة والفرق بين الحسد والغبطة أن الحاسد يتمنى زوال ما على المحسود من النعمة ونحوها والغبطة هي أن يتمنى الغابط مثل تلك النعمة التي هي على المغبوط من غير زوال عنه.
وقال أبو بكر الأصم: أولياء الله هم الذين تولى الله هدايتهم وتولوا القيام بحق العبودية لله والدعوة إليه.
وأصل الولي من الولاء وهو القرب والنصرة فولي الله هو الذي يتقرب إلى الله بكل ما افترض عليه ويكون مشتعلًا بالله مستغرق القلب في معرفة نور جلال الله فإن رأى رأى دلائل قدرة الله وإن سمع سمع آيات الله وإن نطق نطق بالثناء على الله وإن تحرك تحرك في طاعة الله وإن اجتهد اجتهد فيما يقربه إلى الله لا يفتر عن ذكر الله ولا يرى بقلبه غير الله، فهذه صفة أولياء الله وإذا كان العبد كذلك كان الله وليه وناصره ومعينه قال الله تعالى: {الله ولي الذين آمنوا} وقال المتكلمون: ولي الله من كان آتيًا بالاعتقاد الصحيح المبني على الدليل ويكون آتيًا بالأعمال الصالحة على وفق ما وردت به الشريعة وإليه الإشارة بقوله: {الذين آمنوا وكانوا يتقون} وهو أن الإيمان مبني على جميع الاعتقاد والعمل ومقام التقوى هو أن يتقي العبد كل ما نهى الله عنه وقوله سبحانه وتعالى: {لا خوف عليهم}، يعني في الآخرة إذ خاف غيرهم ولا هم يحزنون يعني على شيء وفاتهم من نعيم الدنيا ولذاتها. قال بعض المحققين: زوال الخوف والحزن عنهم إنما يحصل لهم في الآخرة لأن الدنيا لا تخلو من هم وغم وأنكاد وحزن.
قال بعض العارفين: إن الولاية عبارة عن القرب من الله ودوام الاشتغال بالله وإذا كان العبد بهذه الحالة فلا يخاف من شيء ولا يحزن على شيء لأن مقام الولاية والمعرفة منعه من أن يخاف أو يحزن. وأما قوله سبحانه وتعالى: {الذين آمنوا وكانوا يتقون} فقد تقدم تفسيره وأنه صفة لأولياء الله. وقوله سبحانه وتعالى: {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} اختلفوا في هذه البشرى، فروي عن عبادة بن الصامت قال «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {لهم البشرى في الحياة الدنيا} قال: هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له» أخرجه الترمذي. وله عن رجل من أهل مصر قال: «سألت أبا الدرداء عن هذه الآية لهم البشرى في الحياة الدنيا قال: ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها وقال ما سألني عنها أحد غيرك منذ أنزلت هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له». قال الترمذي حديث حسن.
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لم يبق بعدي من النبوة إلا المبشرات» قالوا وما المبشرات؟ قال: «الرؤيا الصالحة» عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة». لفظ البخاري ومسلم: «إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا ورؤيا المسلم جزء من خمسة وأربعين جزءًا من النبوة والرؤيا ثلاث: الرؤيا الصالحة بشرى من الله ورؤيا تحزين من الشيطان ورؤيا مما يحدث المرء نفسه»، قال بعض العلماء: ووجه هذا القول إنا إذا حملنا قوله تبارك وتعالى لهم البشرى على الرؤيا الصالحة الصادقة فظاهر هذا النص يقتضي أن لا تحمل هذه الحالة إلا لهم، وذلك لأن ولي الله هو الذي يكون مستغرق القلب والروح بذكر الله ومن كان كذلك فإنه عند النوم لا يبقى في قلبه غير ذكر الله ومعرفته ومن المعلوم أن معرفة الله في القلب لا تفيد إلا الحق والصدق فإذا رأى الولي رؤيا أو رؤيت له كانت تلك الرؤيا بشرى من الله لهذا الولي.
قال الخطابي: في هذه الأحاديث توكيد لأمر الرؤيا وتحقيق منزلتها وإنما كانت جزءًا من أجزاء النبوة في حق الأنبياء دون غيرهم وكان الأنبياء عليهم السلام يوحى إليهم في منامهم كما يوحى إليهم في اليقظة، قال الخطابي: قال بعض العلماء معنى الحديث أن الرؤيا تأتي على موافقة النبوة لا أنها جزء من النبوة وقال الخطابي وغيره في معنى قوله- الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة: أقام النبي صلى الله عليه وسلم في النبوة ثلاثًا وعشرين سنة على الصحيح وكان قبل ذلك بستة أشهر يرى في المنام الوحي فهي جزء من ستة وأربعين جزءًا وقيل إن المنام لعل أن يكون فيه إخبار بغيب وهو أحد مراتب النبوة وهو يسير في جانب النبوة لأنه لا يجوز أن يبعث الله بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبيًا يشرع الشرائع ويبين الأحكام ولا يخبر بغيب أبدًا.
فإذا وقع لأحد في المنام الإخبار بغيب يكون هذا القدر جزءًا من النبوة لا أنه نبي، وإذا وقع ذلك لأحد في المنام يكون صدقًا والله أعلم.
وقيل في تفسير الآية: إن المراد بالبشرى في الحياة الدنيا هي الثناء الحسن وفي الآخرة الجنة ويدل على ذلك ما روي عن أبي ذر قال: «قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه قال تلك عاجل بشرى المؤمن» أخرجه مسلم قال الشيخ محيي الدين النووي قال العلماء معنى هذا البشرى المعجلة له بالخير، وهي دليل للبشرى المؤخرة له في الآخرة بقوله بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار وهذه البشرى المعجلة دليل على رضا الله عنه ومحبته له وتحبيبه إلى الخلق كما قال ثم يوضع له القبول في الأرض هذا كله إذا حمده الناس من غير تعرض منه لحمدهم وإلا فالتعرض مذموم قال بعض المحققين: إذا اشتغل العبد بالله استنار قلبه وامتلأ نورًا فيفيض من ذلك النور الذي في قلبه على وجهه فتظهر عليه آثار الخشوع والخضوع يحبه الناس ويثنون عليه فتلك عاجل بشراه بمحبة الله له ورضوانه عليه وقال الزهري وقتادة في تفسير البشرى: هي نزول الملائكة بالبشارة من الله عند الموت ويدل عليه قوله سبحانه وتعالى: {تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} وقال عطاء عن ابن عباس البشرى في الدنيا عند الموت تأتيهم الملائكة بالبشارة وفي الآخرة بعد خروج نفس المؤمن يعرج بها إلى الله تعالى ويبشر برضوان الله تعالى وقال الحسن هي ما بشر الله به المؤمنين في كتابه من جنته وكريم ثوابه ويدل عليه قوله تعالى: {لا تبديل لكلمات الله} يعني لا خلف لوعد الله الذي وعد به أولياءه وأهل طاعته في كتابه وعلى ألسنة رسله ولا تغيير لذلك الوعد: {ذلك هو الفوز العظيم} يعني ما وعدهم به في الآخرة: {ولا يحزنك قولهم} يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولا يحزنك يا محمد قول هؤلاء المشركين لك ولا يغمك تخويفهم إياك: {إن العزة لله جميعًا} يعني أن القهر والغلبة والقدرة لله جميعًا هو المنفرد بها دون غيره وهو ناصرك عليم والمنتقم لك منهم.
وقال سعيد بن المسيب: إن العزة لله جميعًا فيعز من يشاء وهذا كما قال سبحانه وتعالى في آية أخرى: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} ولا منافاة بين الآيتين فإن عزة الرسول صلى الله عليه وسلم وعزة المؤمنين بإعزاز الله إياهم فثبت بذلك أن العزة لله جميعًا وهو الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء.
وقيل إن المشركين كانوا يتعززون بكثرة أموالهم وأولادهم وعبيدهم فأخبر الله سبحانه وتعالى أن جميع ذلك لله وفي ملكه فهو قادر على أن يسلبهم جميع ذلك ويذلهم بعد العز: {هو السميع} لأقوالكم ودعائكم: {العليم} بجميع أحوالكم لا تخفى عليه خافية.
قوله سبحانه وتعالى: {ألا إن لله من في السموات ومن في الأرض} ألا كلمة تنبيه معناه أنه لا ملك لأحد في السموات ولا في الأرض إلا لله فهو يملك من في السموات ومن في الأرض.
فإن قلت قال سبحانه وتعالى في الآية التي قبل هذه: {ألا إن لله ما في السموات} بلفظة ما وقال سبحانه وتعالى في هذه الآية بلفظة من فمن فائدة ذلك؟ قلت إن لفظة ما تدل على ما لا يعقل ولفظة من تدل على من يعقل فمجموع الآيتين يدل على أن الله يملك جميع من في السموات ومن في الأرض من العقلاء وغيرهم وهم عبيده وفي ملكه.
وقيل: إن لفظة من لمن يعقل فيكون المراد بمن في السموات الملائكة والعقلاء ومن في الأرض الإنس والجن وهم العقلاء أيضًا وإنما خصهم بالذكر لشرفهم وإذا كان هؤلاء العقال المميزون في ملكه وتحت قدرته فالجمادات بطريق الأولى أن يكونوا في ملكه إذا ثبت هذا فتكون الأصنام التي يعبدها المشركون أيضًا في ملكه وتحت قبضته وقدرته ويكون ذلك قدحًا في جعل الأصنام شركاء لله معبودة دونه: {وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء} لفظة ما استفهاميه معناه وأي شيء يتبع الذي يدعون من دون الله شركاء والمقصود تقبيح فعلهم يعني أنهم ليسوا على شيء لأنهم يعبدونها على أنها شركاء لله تشفع لهم وليس الأمر على ما يظنون وهو قوله سبحانه وتعالى: {إن يتبعون إلا الظن} يعني أن فعلهم ذلك ظن منهم إنها تشفع لهم وأنها تقربهم إلى الله وذلك ظن منهم لا حقيقة له: {وإن هم إلا يخرصون} يعني إن هم إلا يكذبون في دعواهم ذلك.
قوله: {هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرًا} يعني هو الله ربكم الذي خلق لكم الليل راحة لتسكنوا فيه وليزول التعب والكلال بالسكون فيه، وأصل السكون الثبوت بعد الحركة والنهار مبصرًا وجعل النهار مضيئًا لتهتدوا فيه لحوائجكم وأسباب معايشكم وأضاف الإبصار إلى النهار وإنما يبصر فيه وليس النهار مما يبصر ولكن لما كان مفهومًا من كلام العرب معناه خاطبهم بلغتهم وما يفهمونه قال جرير:
لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ** ونمت وما ليل المطي بنائم

فأضاف النوم إلى الليل ووصفه به وإنما عنى نفسه وأنه لم يكن نائمًا ولا بعيره وهذا من باب نقل الاسم من المسبب إلى السبب قال قطرب تقول العرب أظلم الليل وأبصر النهار بمعنى صار ذا ظلمة وذا ضياء.
قوله تعالى: {إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون} يعني يسمعون سمع اعتبار وتدبر فيعلمون بذلك أن الذي خلق هذه الأشياء كلها هو الإله المعبود المنفرد بالوحدانية في الوجود. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67)} قوله تعالى: {جَعَلَ لَكُمُ الليل} الآية انظر إلى فصاحة هذه الآية، حيث حَذَفَ من كل جملةٍ ما ثبت في الأخرى، وذلك أنه ذكر علة جَعْل الليل لنا، وهي قوله: {لتسكنوا} وحَذَفها مِنْ جَعْل النهار، وذَكَر صفةَ النهار وهي قوله: {مُبْصِرًا} وحَذَفَها من الليل لدلالة المقابل عليه، والتقدير: هو الذي جَعَل لكم الليل مُظْلمًا لتَسْكُنوا فيه والنهارَ مُبْصِرًا للتحرَّكوا فيه لمعاشِكم، فحذف مُظْلمًا لدلالة {مبصرًا} عليه، وحذف لتتحَرَّكوا لدلالة {لتسكنوا} وهذا أفصحُ كلامٍ.
وقوله: {مُبْصِرًا} أسند الإِبصارَ إلى الظرف مجازًا كقولِهم نهارُه صائم وليله قائم ونائم قال:
.................. ** ونِمْتِ وما ليلُ المَطِيِّ بنائمِ

وقال قطرب: يقال: أَظْلَمَ الليلُ: صار ذا ظلمة، وأضاء النهار: صار ذا ضياء، فيكون هذا من باب النسبِ كقولهم لابن وتامر، وقوله تعالى: {عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} [الحاقة: 20]، إلا أن ذلك إنما جاء في الثلاثي، وفي فعَّل بالتضعيف عند بعضِهم في قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} [فصلت: 46]، في أحد الأوجه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67)}
الليل لأهل الغفلة بُعْدٌ وغيبة، ولأهل الندم توبة وأوبة، وللمحبين زُلفَةٌ وقربة؛ فالليل بصورته غير مُؤْنِسٍ، لكنه وقت القربة لأهل الوصلة كما قيل:
وكم لظلام الليل عندي من يَدٍ ** تُخَبِّر أن المانوية تكذب

.اهـ.

.تفسير الآية رقم (68):

قوله تعالى: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (68)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما لم يكن شبهة على ادعاء الولد لله سبحانه ولا لهم اطلاع عليه بوجه، ساق قوله: {قالوا اتخذ} أي تكلف الأخذ بالتسبب على ما نعهد: {الله} أي المسمى بهذا الاسم الذي يقتضي تسميته به أن يكون له الكمال كله، فلا يكون محتاجًا إلى شيء بوجه: {ولدًا} مساق البيان لقوله: {إن يتبعون إلاّ الظن} وهذا صالح لأن يكون تعجيبًا ممن ادعى في الملائكة أو عزير أو المسيح وغيرهم.
ولما عجب منهم في ذلك لمنافاته بما يدل عليه من النقص لما ثبت لله تعالى من الكمال كما مرّ، نزه نفسه الشريفة عنه فقال: {سبحانه} أي تنزه عن كل شائبة نقص التنزه كله؛ ثم علل تنزهه عنه وبينه بقوله: {هو} أي وحده: {الغني} أي عن الولد وغيره لأنه فرد منزه عن الإبعاض والأجزاء والمجانسة؛ ثم بين غناه بقوله: {له ما في السماوات} ولما كان سياق الاستدلال يقتضي التأكيد، أعاد {ما} فقال: {وما في الأرض} من صامت وناطق، فهو غني بالملك ذلك عن أن يكون شيء منه ولدًا له لأن الولد لا يملك، وعدم ملكه نقص مناف للغنى، ولعله عبر بـ {ما} لأن الغني محط نظره الصامت مع شمولها للناطق.
ولما بين بالبرهان القاطع والدليل الباهر الساطع امتناع أن يكون له ولد، بكتهم بنفي أن يكون لهم بذلك نوع حجة فقال: {إن} أي ما: {عندكم} وأغرق في النفي فقال: {من سلطان} أي حجة: {بهذا} أي الاتخاذ، وسميت الحجة سلطانًا لاعتلاء يد المتمسك بها؛ ثم زادهم بها تبكيتًا بالإنكار عليهم بقوله: {أتقولون} أي على سبيل التكرير: {على الله} أي الملك الأعظم على سبيل الاستعلاء: {ما لا تعلمون} لأن ما لا برهان عليه في الأصول فهو جهل، فكيف بما قام الدليل على خلافه؛ والسلطان: البرهان القاهر لأنه يتسلط به على صحة الأمر ويقهر به الخصم، وأصله القاهر للرعية بعقد الولاية. اهـ.